سورة القلم - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القلم)


        


{لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ (49) فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (50)}
قوله تعالى: {لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ} قراءة العامة تَدارَكَهُ. وقرأ ابن هرمز والحسن {تداركه} بتشديد الدال، وهو مضارع أدغمت التاء منه في الدال وهو على تقدير حكاية الحال، كأنه قال: لولا أن كان يقال فيه تتداركه نعمة. ابن عباس وابن مسعود: {تداركته} وهو خلاف المرسوم. وتَدارَكَهُ فعل ماض مذكر حمل على معنى النعمة، لان تأنيث النعمة غير حقيقي. و{تداركته} على لفظها. واختلف في معنى النعمة هنا، فقيل النبوة، قاله الضحاك. وقيل عبادته التي سلفت، قاله ابن جبير.
وقيل نداؤه: {لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: 87]، قاله ابن زيد.
وقيل: نعمة الله عليه إخراجه من بطن الحوت، قاله ابن بحر.
وقيل: أي رحمة من ربه، فرحمه وتاب عليه. {لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَهُوَ مَذْمُومٌ} أي لنبذ مذموما ولكنه نبذ سقيما غير مذموم. ومعنى مَذْمُومٌ في قول ابن عباس: مليم. قال بكر بن عبد الله: مذنب.
وقيل: مَذْمُومٌ مبعد من كل، خير. والعراء: الأرض الواسعة الفضاء التي ليس فيها جبل ولا شجر يستر.
وقيل: ولولا فضل الله عليه لبقي في بطن الحوت إلى يوم القيامة، ثم نبذ بعراء القيامة مذموما. يدل عليه قوله تعالى: {فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات: 144- 143]. {فَاجْتَباهُ رَبُّهُ} أي اصطفاه وأختاره. فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قال ابن عباس: رد الله إليه الوحي، وشفعه في نفسه وفي قومه، وقبل توبته، وجعله من الصالحين بأن أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون.


{وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ (51)}
قوله تعالى: {وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا} إِنْ هي المخففة من الثقيلة. لَيُزْلِقُونَكَ أي يعتانونك. {بِأَبْصارِهِمْ} أخبر بشدة عداوتهم النبي صلي الله عليه وسلم، وأرادوا أن يصيبوه بالعين فنظر إليه قوم من قريش وقالوا: ما رأينا مثله ولا مثل حججه.
وقيل: كانت العين في بني أسد، حتى إن البقرة السمينة أو الناقة السمينة تمر بأحدهم فيعاينها ثم يقول: يا جارية، خذي المكتل والدرهم فأتينا بلحم هذه الناقة، فما تبرح حتى تقع للموت فتنحر.
وقال الكلبي: كان رجل من العرب يمكث لا يأكل شيئا يومين أو ثلاثة، ثم يرفع جانب الخباء فتمر به الإبل أو الغنم فيقول: لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه! فما تذهب إلا قليلا حتى تسقط منها طائفة هالكة. فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب لهم النبي صلي الله عليه وسلم بالعين فأجابهم، فلما مر النبي صلي الله عليه وسلم أنشد:
قد كان قومك يحسبونك سيدا *** وإخال أنك سيد معيون
فعصم الله نبيه صلي الله عليه وسلم ونزلت: {وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ}. وذكر نحوه الماوردي. وأن العرب كانت إذا أراد أحدهم أن يصيب أحدا- يعني في نفسه وماله- تجوع ثلاثة أيام، ثم يتعرض لنفسه وماله فيقول: تالله ما رأيت أقوى منه ولا أشجع ولا أكثر منه ولا أحسن، فيصيبه بعينه فيهلك هو وماله، فأنزل الله تعالى هذه الآية. قال القشيري: وفي هذا نظر، لان الإصابة بالعين إنما تكون مع الاستحسان والإعجاب لا مع الكراهية والبغض، ولهذا قال: {وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ} أي ينسبونك إلى الجنون إذا رأوك تقرأ القرآن. قلت: أقوال المفسرين واللغويين تدل على ما ذكرنا، وأن مرادهم بالنظر إليه قتله. ولا يمنع كراهة الشيء من أن يصاب بالعين عداوة حتى يهلك. وقرأ ابن عباس وابن مسعود والأعمش وأبو وائل ومجاهد لَيُزْلِقُونَكَ أي ليهلكونك. وهذه قراءة على التفسير، من زهقت نفسه وأزهقها. وقرأ أهل المدينة {ليزلقونك} بفتح الياء. وضمها الباقون، وهما لغتان بمعنى، يقال: زلقة يزلقه وأزلقه يزلقه إزلاقا إذا نحاه وأبعده. وزلق رأسه يزلقه زلقا إذا حلقه. وكذلك أزلقه وزلقة تزليقا. ورجل زلق وزملق- مثال هدبد- وزمالق وزملق- بتشديد الميم- وهو الذي ينزل قبل أن يجامع، حكاه الجوهري وغيره. فمعنى الكلمة إذا التنحية والإزالة، وذلك لا يكون في حق النبي صلي الله عليه وسلم إلا بهلاكه وموته. قال الهروي: أراد ليعتانونك بعيونهم فيزيلونك عن مقامك الذي أقامك الله فيه عداوة لك.
وقال ابن عباس: ينفذونك بأبصارهم، يقال: زلق السهم وزهق إذا نفذ، وهو قول مجاهد. أي ينفذونك من شدة نظرهم.
وقال الكلبي: يصرعونك. وعنه أيضا والسدي وسعيد بن جبير: يصرفونك عما أنت عليه من تبليغ الرسالة.
وقال العوفي يرمونك.
وقال المؤرج: يزيلونك.
وقال النضر بن شميل والأخفش: يفتنونك.
وقال عبد العزيز ابن يحيى: ينظرون إليك نظرا شزرا بتحديق شديد.
وقال ابن زيد: ليمسونك.
وقال جعفر الصادق: ليأكلونك.
وقال الحسن وابن كيسان: ليقتلونك. وهذا كما يقال: صرعني بطرفه، وقتلني بعينه. قال الشاعر:
ترميك مزلقة العيون بطرفها *** وتكل عنك نصال نبل الرامي
وقال آخر:
يتقارضون إذا التقوا في مجلس *** نظرا يزل مواطئ الاقدام
وقيل: المعنى أنهم ينظرون إليك بالعداوة حتى كادوا يسقطونك. وهذا كله راجع إلى ما ذكرنا، وأن المعنى الجامع: يصيبونك بالعين. والله أعلم.


{وَما هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (52)}
قوله تعالى: {وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ} أي وما القرآن إلا ذكر للعالمين.
وقيل: أي وما محمد إلا ذكر للعالمين يتذكرون به.
وقيل: معناه شرف، أي القرآن. كما قال تعالى: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} [الزخرف: 44] والنبي صلي الله عليه وسلم شرف للعالمين أيضا. شرفوا باتباعه والايمان به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8